2011/03/10

أسباب الاختلاف: الاختلاف في ثبوت النص


الاختلاف في ثبوت النص له أثر بليغ في اختلاف الفقهاء في كثير من الفروع، ويشمل ذلك ما يلي:
:: عدم الاطلاع على الحديث.
:: الشك في ثبوت الحديث.
:: نسيان الحديث.


1.   عدم الاطلاع على الحديث[1]: قد يصل الحديث إلى مجتهد ولا يصل إلى آخر، فيختلف الحكم بناءً على وصول الحديث وعدم وصوله، وقد وقع ذلك أيام الصحابة رضوان الله عليهم. فقد كانوا على درجات متفاوتة من الإحاطة بسنة رسول الله @ القولية والفعلية. لذا فإن الإحاطة بحديث رسول الله @ لم تكن لأحد من الأمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~:
« قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث، أو يفتي، أو يقضي، أو يفعل الشيء فيسمعه أو يراه من يكون حاضرا ويبلغه أولئك أو بعضهم لمن يبلغونه فينتهي علم ذلك إلى من يشاء الله من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
 ثم في مجلس آخر قد يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل شيئا ويشهده بعض من كان غائبا عن ذلك المجلس ويبلغونه لمن أمكنهم فيكون عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم أو جودته .
وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادعاؤه قط ».[2]
ولعل توزع الأحاديث بين من سمعوها وعلم بعض الصحابة والتابعين ببعضها دون بعض آخر يعلمه غيرهم جعلهم يختلفون فيما بينهم في كثير من المسائل. وهذا الخلاف بينهم كان سبباً من أسباب الخلاف بين الفقهاء من بعدهم، لاختلافهم في الأخذ بأقوال الصحابة وفي أشباهها ونظائرها، واختلاف من اتبعوهم وقلدوهم. كما أنه قد يقع الخلاف بسبب وجود أحاديث صحيحة انفرد بعلمها بعض الرواة، ولم تنتشر بين فقهاء الأمصار جميعاً، فمن علمها عمل به، ومن لم تبلغه اجتهد رأيه، أو اتبع غيره.
قال شيخ الإسلام: " فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة أو إماما معينا فهو مخطئ خطأ فاحشا قبيحا ".[3]

2. الشك في ثبوت الحديث[4]: قد يصل الحديث إلى الجميع ولكن ليس على الوجه الذي يقع به غالب الظن، فيعتقد بعضهم ضعفه فيطعنون فيه، ويعتقد الآخرون قوته فيأخذون به.
وهذا هو المنهج الذي سار عليه الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكونوا يهرعون إلى العمل بما ينقل إليهم، إلا بعد التثبت من صحته، وعدم تسرب الخطأ والوهم إلى ناقله. فإن تطرق الشك إليهم توقفوا عن العمل به وساروا إلى غيره من الأدلة.
وعلى هذا النهج سار من تبعهم من أئمة الأمصار. فتثبتوا في قبول الحديث واحتاطوا لذلك أيما احتياط خاصة عندما ظهر الوضع وفشا الكذب على رسول الله @ فاشتغلوا بالبحث في أحوال الرواة من جهة الضبط والعدالة، وبحثوا أسانيد الأحاديث من حيث الاتصال والانقطاع، فبيّنوا ما اتصل منها وسَلِمَ مِن العِلَل، مما انقطع منها واعتل. فليس كل حديث متصل الإسناد صحيح وليس كل راوٍ للحديث ثقة. فقد يعتريه جهالة الحال أو سوء الحفظ أو قلة الضبط. كما أن الحديث قد يخالف حكما في الكتاب، أو ما جاء به مشهور الأثر. فلم يثق الفقهاء في كثير من السنن بسبب ذلك. فمن بلغه الحديث من طريق صحيح أخذ به ومن شك في إسناده ردّه وأخذ بغيره، فكان لذلك بالغ الأثر في اختلاف الفقهاء في كثير من الفروع الفقهية.
والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها: مسألة حكم من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان، فالجمهور على أنه لا قضاء ولا كفارة عليه وعند مالك يبطل صومه وعليه القضاء. واعتمد الجمهور على الحديث الصحيح ﴿ مَنْ نَسِىَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ .[5] وحديث ﴿ إِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِياً أَوْ شَرِبَ نَاسِياً فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ الله إِلَيْهِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ .[6] واعترض مالك على الحديثين بأن الأول ليس فيه قضاء فيحمل على سقوط المآخذة وأما الحديث الثاني فهو نص لا يقبل الاحتمال وهو غير صحيح.[7] والذي حمل مالك على ذلك هو شَكُّهُ في الحديث.

3.  نسيان الحديث:  فقد يكون الحديث قد بلغ المجتهد لكنه نسيه وهذا وارد، لآن قوة الحفظ والذاكرة تختلف من إنسان لآخر.[8]  وهذا مما أوهم بعض العلماء فجعلوا نسيان الراوي سبباً في اعتقاد ضعف الحديث. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما روي من نسيان عمر بن الخطاب > لحديث جواز اليتيم للجنب، فقضى بعدم جوازه، فلا يصلي الجنب حتى يجد الماء، وتابعه في ذلك ابن مسعود >. ففي صحيح مسلم: أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ @: ﴿ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ. فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ، قال: إن شئت لم أحدث به.[9] فنسيان الحديث أخفى الحكم الشرعي عن عمر>
ذ. مراد بوكريعة
مقتطف من رسالتي في الماستر


[1] .حذفت الإحالات للأمانة العلمية. للمزيد المرجو المراسلة على: Mourad-bgr@hotmail.fr

0 تعليقات:

إرسال تعليق