2011/03/14

الخلاف العالي عند مالكية الأندلس


     سنتكلم في هذا المبحث عن المؤثرات العلمية على الخلاف العالي بالأندلس أولا. ثم عن طبقات علماء الخلاف العالي الأندلسيين ثانيا.
ثم سنتعرف عن احتكاك المذهب المالكي مع المذاهب السائدة آنئذ في الأندلس، والتي كان أبرزها مذهب الإمام الأوزاعي رحمه الله. 






أولا : المؤثرات العلمية على الخلاف العالي بالأندلس:
     الخلاف العالي فرع من الدرس الفقهي، فإذا اجتمع مذهبان في بيئة معنية، فإن الخلاف يصير جدليا، أما إذا انفرد المذهب ولم يكن له مخالفون في الجدل يكون ضعيفا كما في الأندلس فقد اهتم العلماء بخدمة مصادر المذهب، وعليهم الإعتماد في القضاء والفتوى، لكن لما نشطت مذاهب أخرى برز علماء لمناظرتهم، ويمكن تقسيم الخلاف العالي هنا إلى مرحلتين:

ª مرحلة المتقدمين : ساد المذهب المالكي الأندلس وهيمن على الدرس الفقهي والفتيا والقضاء منذ حياة مالك، واهتم الأندلسيون بسماعات مالك وكتب أصحابه وخدموها ثم جاءت بعدهم طبقات شرحوا المدونة والاحكام والوثائق، في المقابل ضعف الحديث لديهم رواية وحفظا، وضعف      الخلاف العالي لسببين ذكرهما ابن العربي هما : بعد قطر المغرب والدولة الأموية.
     في المقابل ظهر علماء لم يقتصروا على معرفة المذهب، بل اهتموا بتحميل مصنفات الخلاف وذلك باتصالهم بالمشرق وإدخال كتب المذاهب      الأخرى إلى الأندلس، وتتلمذ الأندلسيين على أئمة الخلاف في الأمصار الأخرى، فنشأ الخلاف عندهم لعوامل عدة

1- دخول كتب الحديث والآثار الأندلس : كصحيح البخاري رواية الفربرية والنسفية، وصحيح مسلم رواية الجلودي وابن ماهان، وسنن النسائي        وأبي داود والترمذي..   
2- دخول كتب الخلاف والمذاهب الأخرى : دخلت كتب الآثار والإختلاف كمصنفات ابن أبي شيبة ووكيع.. ودخلت كتب المذاهب الأخرى   – الشافعية،  الظاهرية –  ككتب الشافعي الرسالة، الأم... وكتب داود بن علي التي أدخلها ابن هلال وابن البلوطي، أما كتب الجدل فقد تأخرت   إلى القرن 5و6.   
::   ساهم دخول الغرباء من المذاهب الأخرى، ودخول كتبهم في تغير الوضع بالأندلس، فتحول بعض الأندلسيون عن مذهبهم إلى مذاهب أخرى  نذكر منهم :عبد الله بن هلال ومنذر بن سعيد اللذان كانا يميلان إلى مذهب داود الظاهري، ومن اللذين اتبعوا مذهب الشافعي : هارون بن نصر    وأحمد بن الأغبس .. وتحول أخرون إلى مذهب الحنفية كــ : محمد بن نجيح و ابن تليذ.. ومال البعض للحديث كـ : بقي بن مخلد و داود بن جعفر..    


3- تلمذة المالكية الأندلسيين على كبار أئمة الخلاف بالأمصار الأخرى: يعتبر ذلك من أسباب نشاط الدرس الخلافي، حيث أدخلوا كتبهم وتأثروا بهم وناظروا على منوالهم، وبخاصة كبار مالكية العراق النظار كالقاضي اسماعيل وطبقة تلاميذه وشيوخ الأبهري والقاضي عبد الوهاب.        
4- منافسة المذاهب الأخرى للمالكية بالأندلس : أثر على الدرس المالكي فصار من شرط الفقيه العلم بالخلاف.  

ª مرحلة المتأخرين : في أواخر القرن الرابع ضعفت الدولة الأموية التي تحمي وحدة المذهب، وظهرت دولتان المرابطية ثم الموحدية.
    فازدهر الخلاف العالي بالأندلس، وكان الإمام الأصيلي -392- من أوائل النظار في هذه المرحلة.

ثانيا : طبقات علماء الخلاف العالي الأندلسيين :

§ طبقة زياد بن عبد الرحمان شبطون : اقتصر الخلاف هنا على خلاف أهل المدينة والآثار كـالموطأوكتب سفيان والليث. 
¯ زياد بن عبد الرحمان شبطون -204- : من أوائل علماء الخلاف بالأندلس، أدخل الموطأ، سمعه من مالك وعنه أخذ يحيى الليثي، وكان زياد  أول من علم أهل الأندلس والفقه والسنن والتعليل، كما كان صاحب نظر وحجة، له مناظرة مع عثمان بن كنانة، ألف كتاب "الجامع" .
¯ يحيى بن يحيى الليثي -234- : اشتهر بنشر المذهب والتمكين له بالأندلس، أخذ عن شبطون وطبقته وسمع الموطأ من مالك، وأخذ عن أشهب  وابن نافع، وقدم الأندلس بعلم كثير.   

 §طبقة عبد الملك بن حبيب السلمي : في هذه الطبقة صنفت الواضحة التي ضمت خلاف أهل الرأي وقول مالك وأصحابه.
¯ عبد الملك بن حبيب -238- : عالم الأندلس، وإمام أهلها في علم الخلاف العالي في طبقته، أخذ عن المدنيين والمصريين، تميز بكثرة الحفظ   وعلمه بالمسائل مقرونة بالأدلة والذب عن المذهب، والجمع بين الآثر والنظر. ألف "الواضحة"، " فضائل مالك"، "شرح الموطأ".
¯ عيسى بن دينار -212- : "فقيه الأندلس"، أخذ عن أئمة الأندلس والمصريين، تميز بكثرة تأويل الحديث والتعليل لأحكامه، وتميز أيضا باختياراته التي خالف في بعضها الإمام مالك، ألف "شرحا للموطأ".

 § طبقة إبراهيم بن مرتنيل :
¯ يحيى بن مزين -259- : من علماء الخلاف المختصين في علم الحجاز، أخذ عن عيسى بن دينار والقعنبي وأحمد بن يونس .. أخذ الموطأ عن  مطرف، ألف تفسير الموطأ وكتاب "المستقصية".
¯ إبراهيم بن مرتنيل -249- : رأس هذه الطبقة في الخلاف العالي والنظر، أخذ عن شيوخ الأندلس ومطرف وسحنون.. كان فقيها مفسرا له  تفسير القرآن، وكان بصيرا بطرق الحجة والنظر، له مناظرات مع ابن مزين ويحيى الليثي. 

§ طبقة يوسف بن يحيى المغامي:
¯ محمد بن وضاح -287-: لا يعد من كبار الفقهاء والخلافيين، لكنه هو الذي أدخل مصنفات الحديث والآثار والفقه إلى الأندلس.
¯ يوسف بن يحيى المغامي -282- : أنجب تلاميذ ابن حبيب، حيث أخذ عنه مصنفاته كلها، وأخذ عن ابن الصائغ ويحيى الليثي.. تميز بأنه أعلم الناس بكتب ابن حبيب، وأنه من أهل الحجة والذب عن المذهب وجدال المذاهب الآخرى.

§ طبقة أحمد بن خالد الجباب :
¯ محمد بن عمر بن لبابه : جمع بين العلم بالاختلاف والمناظرة، أخذ المذهب عن العتبي وابن مزين وأخذ الحديث عن ابن وضاح وأخذ الخلاف  والخلاف والنظر عن قاسم بن محمد... تميز بالمناظرة والحجة واتباع الحديث فخالف الحديث فخالف المذهب أحيانا، وناظر قاسم بن محمد.
¯ أحمد بن خالد الجباب : من كبار الخلافيين الأندلس، تلميذ ابن وضاح وقاسم بن محمد ... جمع بين المذهب والخلاف و الآثار فهو رأس في معرفة الآثار والمذهب وجودة النظر، ألف "مسند حديث مالك".
¯ قاسم بن أصبغ البياني -324- : أخذ عن القاضي اسماعيل، وأدخل كتابه أحكام القرأن إلى الأندلس وكذلك كتب الآثار والفقه،
¯ محمد بن عبد الملك بن أيمن -330- : أخذ عن أئمة المشرق، أدخل مصنفات  القاضي اسماعيل للأندلس.
¯ الفضل بن سلمة الجهني -319- : العارف باختلاف أصحاب مالك، أخذ عن القرويين، ألف كتاب" اختصار الواضحة".

§ طبقة عبد الملك بن السعدي :
¯ أحمد بن دحيم -338- :  أحد رجال الخلاف العالي المعتمدين على الآثار والسنن، أخذ عن شيوخ الأندلس والعراق والحجاز، جمع بين الفقه  والآثار، واعتنى بالحديث والرأي، أدخل مصنفات الآثار والخلاف للمالكية... إلى الأندلس.
¯ عبد الملك بن السعدي -330- : أبرز الخلافيين في وقته وأول مالكي صنف في الذب عن المذهب والحجة له على نمط البغداديون. أخذ عن   ابن المنتاب وطبقته، فحصل مصنفات القاضي اسماعيل، أدخل مصنفات الخلاف للأندلس، ألف في النصرة "الذريعة إلى علم الشريعة" و "الرد    على من أنكر على مالك العمل بما رواه".

§ طبقة بن اسحاق بن السليم :
¯ محمد بن اسحاق السليم : من المالكية المتقدمين القلائل بالأندلس، المحافظين على انتمائهم المالكي، وهو أول من ألف كتابا مفردا لمسائل  الخلاف على نمط البغدادي، أخذ المذهب والآثر والخلاف عن قاسم بن محمد وابن أصبغ.. ألف كتاب "المروزي في الإحتلاف" . 
¯ عيسى بن سعادة الفاسي -355- :  من مشاهير الشيوخ الفاسيين في الخلاف العالي، أخذ عن شيوخ القيروان ومصر والأندلس، برز في الفقه  والحديث معا.

§ طبقة الإمام الأصيلي : تميزت بنشاط رواية البخاري ونبوغ فقهاء وخلافيين ومناظرين.
¯ أبو بكر بن زرب -381- : أحد حفاظ المذهب ورواة مسائله، تميز في الخلاف بأن عليه كان عليه مدار المناظرة الفقهية للطلاب وبتأليفه   لكتاب "الخصال" عارض به كتاب "الخصال" لإبن كاووس الحنفي.
¯ محمد بن العطار -399- : كانت له مجالس للمناظرة على الموطأ، وهو أحد الموثقين في تاريخ المذهب المالكي. 
¯ محمد بن زمنين -399- : سمع من كبار علماء الأندلس، وجمع بين الإستبحار في المذهب والعلم بالقرآن والحديث والعلم والخلاف.
 ¯عبد الله بن ابراهيم الأصيلي -392- : هو امتداد للمدرسة البغدادية ولمنهجها في الخلاف بالأندلس وافريقية ومصر، كابن شعبان وأبي زيد و ابن سليم..تميز في الخلاف العالي بأربعة أمور :
-1-  كان رجل جدل وحجة على نمط البغداديين.
-2-  في حلقته تخرج رؤوس الخلاف 
-3- ألف كتاب " الإنتصار لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
-4- له اختيارات ومواقف ناظر عليها مخالفة للمالكية.

§ طبقة ابن الفخار: تميزت بعلماء في الخلاف على طريقة الآثريين وإحياء الدرس البخاري.
¯ عبد الرحيم بن العجوز : أخذ عن خلافيين كبار كدارس بن اسماعيل والأصيلي وابن أبي زيد .. إليه كانت الرحلة وعليه مدار الفتوى. 
¯ المكي بن أبي طالب القيسي : جمع بين الفقه والحديث، وهو حجة في القراءات، ألف " اختصار أحكام القرآن " و " الإيضاح ".
¯ محمد بن عمر بن الفخار -418- : من أعلام الأندلس في الخلاف والحديث والحجة، أخذ عن كبار المالكية بالأندلس، تميز بميله إلى الإجتهاد  والترجيح بين مذاهب العلماء والمذاكرة والإستدلال. وكان دائم الإتباع لما رجحه دليله، ألف رسالة  "الإنتصار لأهل المدينة
¯ عبد الرحمان القنازعي -413- : أخذ من كبار علماء الخلاف كالأصيلي وسمع بالمشرق ومصر، تميز بالجمع بين الفقه والحديث والقرآن، و  عنه أخذ الخلاف ابن عبد البر وابن عتاب، له كتاب "تفسير الموطأ".
¯ محمد بن الحذاء -410- : من علماء الحديث الأندلسيين المنتمين للمدرسة اللآثرية للخلاف، أخذ الحديث والفقه والخلاف عن علماء الأندلس   والمصريين والمشرقيين، تميز بدقة الإستنباط ألف "الإستنباط" . "الأحكام".

 §طبقة أبو الوليد الباجي : ضمت قطبان كبيران في الخلاف العالي هما : الباجي، ابن عبد البر، وضمت رجال عرفوا بالخلاف والمناظرة.
 ¯عثمان بن حمادة -430- : تميز بسلوكه لطريق البغداديين النظار في الجدل والحجة.
¯ محمد بن عتاب -462- : من فحول الخلافيين بالأندلس، تميز في الرواية بالجمع والإكثار منها، وهو المعول عليه في الأحكام والشروط و الإفتاء.
¯ محمد بن شماخ : تميز بحمله لتراث القاضي عبد الوهاب إلى الأندلس، وأخذ الناس عنه.
¯ علي بن بطال -444- : تميز بتأليفه شرحا لكتاب البخاري، وهو شرح نفيس دل على سعة إطلاعه على اختلاف العلماء.
¯ أبو الوليد الباجي -474- : رحل إلى المشرق والعراق فأخذ عن علمائهم بعد أخذ عن علماء الأندلس، فجمع شروط النظر والإجتهاد والحديث   وعلم الكلام وتحقق بالجدل والأصول، وآهتم بالمناظرة، ثم رجع للأندلس وتصدى لمناظرة ابن حزم ومساجلته، تميز في الخلاف لتأسيسه   لمدرسة خلافية جدلية وتصنيفه في مسائل الخلاف والجدل ككتاب "السراج" و "إحكام الفصول" و "المنهاج".
 ¯يوسف بن عبد البر أبو عمر -463- : امتداد للمدرسة الآثرية في الخلاف ومؤسس أركانها على الحديث والسنن والقياس المعتدل، أخذ عن علماء الأندلس، جمع بين الإستبحار في الحديث ودقة النظر في الفقه وعلم الخلاف، تميز بإنصاف علمي وتدقيق في الأحكام معتمدا على الحديث     والسنن، ألف "الكافي" و "التمهيد" و "الإستذكار" و "الإنصاف".

 §طبقة ابن رشد الفقيه :
¯ أبو علي الصدفي –ابن سكرة- .463. : أخذ عن الباجي، ابن عبد البر، الطرطوشي ... أقام ببغداد خمس سنين وعلق عن الشاشي تعليقته  الكبرى.
¯ غالب بن عطية -518- : له رحلة أخذ فيها من علماء المشرق، له معرفة بالحديث والأصول والجدل.. ناظر في الموطأ والمدونة.
¯ محمد بن رشد الجد -520- : من كبار علماء الخلاف وشيوخ مسائل المذهب بعد بن أبي زيد، أخذ عن علماء الأندلس، عرف بصحة النظر و  جودة التأليف، ألف كتاب "آختصار مشكل الآثار".
¯ ابن السيد البلنسي البطليوسي -521- : أخذ عن فقهاء الأندلس وألف كتاب في شرح الموطأ سماه : "المقتبس" و "اختلاف الفقهاء".

§ طبقة ابن العربي :
¯ أحمد بن ورد -540- : فقيه أصولي مفسر، انتهت إليه رياسة المذهب بعد ابن رشد، وهو من الفقهاء الدراة باختلاف العلماء.
¯ يوسف الفنداوي -543- : استقر بالشام واستشهد في جهاد الصليبيين، حلو المناظرة، شديد التعصب لأهل السنة، ألف "تهذيب المسالك".
¯ أبو بكر بن العربي -543- : ورث المنهج الجدلي عن مالكية بغداد، "مجتهد مطلق"، أخذ عن الشافعية بالمشرق كالغزالي والطوسي..
    وله سند متصل بمالكية العراق كالطرطوشي شيخه، أخذ عن الباجي والباجي عن ابن عمروس البغدادي تلميذ القاضي عبد الوهاب، كما أخذ عن    علماء الأندلس، تميز في الخلاف بالذب عن المذهب والرد على المذاهب الآخرى، لكنه لا يتردد في الرد على المالكية إذا خالفوا الصواب، ألف     "أحكام القرآن" و"المسالك" و" القبس" و"عارضة الأحوذي".
 ¯عياض بن موسى -544- : من أعلام الخلاف العالي، أخذ عن الفحول كابن العربي، المازري، ابن رشد.. برز في الحديث والخلاف والتاريخ   وفي الخلاف برز، وبرز في الجدل على أصول مذهب مالك في كتاب "ترتيب المدارك" وفي العلم بالأقاويل في كتاب "إكمال المعلم".


 §طبقة ابن الجد:
 ¯ابن زرقون أبو سعيد -586- : من كبار علماء الخلاف، صنف "الأنوار في الجمع بين المنتقى والإستذكار" وهو معتمد.
¯ عبد الحق الإشبيلي -581- :  من العلماء الكبار في الحديث والفقه، ألف "الأحكام الكبرى" و"الأحكام الصغرى" في الحديث.
¯ أبو الفرج بن الجد -586- : من كبار علماء الخلاف والفقه والحديث وأصول الفقه، تميز بالذب عن المذهب ومناقضة المذاهب المخالفة.

§ طبقة أبو الوليد بن رشد الحفيد:
¯ أبو الوليد بن رشد الحفيد : برز في الخلاف العالي وتجديده، أخذ عن أبيه وابن بشكوال والمازري  إجازة... كان أوحد في الفقه والخلاف، ألف   "بداية المجتهد".
¯ عبد المنعم بن الفرس -599-: من الخلافيين النظار الألمعيين، العالمين بمذهب مالك، تفنن في علوم كثيرة، ألف كتاب "أحكام القرآن".

1 تعليقات:

  • Unknown says:
    الخميس, مايو 30, 2019

    بارك الله فيكم
    هذا المجهود الرائع.

إرسال تعليق