2011/03/14

الخلاف العالي عند مالكية افريقية


    إلتقى المذهب المالكي والمذهب الحنفي منذ القرن الثاني، وكانت السمة المميزة لهذا الالتقاء هي الهدوء، لم يغلب عليها الجدل والخصام، فقد ثبت الإقرار المزدوج للرأي المدني والعراقي. 
وعلماء القيروان أخذوا الكثير من المذهبين. 



     لكن الطبقة الموالية خاصة طبقة ابن سحنون  وتلميذه ابن طالب شهدت احتدادا في المناظرة والجدل بين المذهبين، وبعد وفاة  أبي طالب ودخول العبيديين القيروان سنة : 297 خفت المناظرة بين المذهبين لانحسار الوجود العلمي الحنفي في القيروان وانشغال المالكية بمواجهة العبيديين. ويعد ابن الحداد رمز هذه الحقبة في المناظرة، فقد كان يرد على الحنفية والظاهرية وكذا الشافعية. أما تلميذه ابن اللباد فقد اهتم بالذب عن المذهب ونصرته فقهيا، وابن أبي زيد انتحى نفس المنحى في نصرة المذهب.
وفي هذه الفترة اعتمد القيروانيين على البغداديين في الحجة ومسائل الخلاف، وفي طبقة القابسي وأبي عمران دخلت كتب الخلاف العالي فنشط الجدل. لكن مع دخول العبيديين ضعف الجدل واهتم العلماء بخدمة المدونة ومصادر المذهب. إلا أن اتصال افريقية بأمصار الفقه المالكي ساعد على النهوض من الكبوة خصوصا مع المازري -536- حيث قام الخلاف العالي على المفارنة والمقايسة والاختيار.

* طبقات علماء القرويين المشهورين بالخلاف العالي :
      .  طبقة أسد بن الفرات : تميزت بدخول كتب الجوامع والآثار والرأي عند مالك الثوري وأبو حنيفة .. للقيروان، وفي هذه الطبقة ثلاثة من    الخلافيين المالكية وذوي المعرفة المزدوجة بالمذهبين المالكي والحنفي هم : ابن فروخ، ابن غانم، ابن الفرات، وأعلام هذه الطبقة شيوخ  لسحنون وطبقته.
¯ ابن فروخ الفارسي -175- : من علماء المالكية والأحناف، فهو تلميذ لأبي حنيفة ومالك الثوري ... ومجتهد وإن مال للمذهب المالكي. جمع    بين الإمامة في الحديث والفقه والخلاف، له مناظرات ومذاكرات كان ظاهر الحجة والجدل فيها. فقد ناظر زفر فقطعه وناظر ابن غانم في الرجل يوليه أمير غير عدل القضاء. فأباه ابن فروخ وصوبه مالك في ذلك. ألف في الخلاف العالي ديوانا.
¯   عبد الله بن غانم -190-: أحد أئمة الخلاف العالي بالقيروان، أخذ ذلك عن مالك والثوري وأبو يوسف...  وهو عالم بالمذهبين المالكي والحنفي، رغم أن أبا يوسف كان وراء توليه القضاء إلا أن صلته بالمالكية أوثق من صلته بالعراقيين.
¯   أسد بن الفرات -113-: أحد أكبر الحفاظ والنظار، مر في حياته العلمية بأربع مراحل:
-  مرحلة تفرغ فيها للعلم المدني عن مالك وعلي بن زياد.
- مرحلة تفرغ فيها للعلم الحنفي عن أبو يوسف ومحمد بن الحسن.
- مرحلة رجع فيها للمذهب المالكي بعد موت مالك، فألف الأسدية مع ابن القاسم.
- مرحلة صار فيها " أسد إمام العراقيين بالقيروان كافة "، حيث رجع إلى مذهب أبي حنيفة لما نسخت المدونة  الأسدية. وهو مجتهد عالم  بالمذهبين فكان يختار الأقاويل منهما فيعمل تارة بمذهب مالك وأخرى بمذهب أهل الكوفة، وهو أول مالكي بالقيروان، أثرت عنه أقوال معقدة للخلاف الفقهي.
¯ البهلول بن راشد -183-: من علماء الخلاف العالي بالقيروان، أخذ عن مالك والثوري والليث.. ألف جامعا على غرار جامع سفيان، فيه    
آثار من الرأي والحديث، كان عالما بآراء الفقهاء الأمصار حافظا لها.
¯ علي بن زياد -183- : رأس فقهاء المدنيين بالقيروان قبل سحنون، " كان ثقة مأمونا بارعا في الفقه " اعتمد في الخلاف العالي على خالد 
بن أبي عمران، ومالك، والثوري، والليث بن سعد .. لم يؤلف في الخلاف لكنه معلم أئمة الخلاف المالكية – البهلول، سحنون..-  وهو أول من أدخل كتب الخلاف بالمغرب.
 . طبقة عبد السلام سحنون : ضمت فقهاء مبرزين في الخلاف العالي، من أبرزهم :
¯   سحنون -240- : من خلافيين المذهب المجتهدين، استغل بتصنيف مسائله وتدوين مدونته، أخذ الخلاف العالي عن علماء الحجاز والشام    ومصر، حفظ الآثار وكتب الحديث وبرز في رأي أهل الحجاز وكان على اطلاع بالمذهب الحنفي ومسائله، تأثر بمالك في الخلاف العالي فاعتمد مبدأ الاختيار لا الجدل والحجاج وكان يعجل النظر في المسائل ويؤخر الرأي. لم يؤلف في الخلاف لكن المدونة تضمنت آثارا وأقاويل الأئمة.
¯ موسى بن معاوية الصمداحي -225- : من كبار علماء القيروان، " في الحديث والفقه" فجمع بين الفقه الجيد والحديث الكثير. 
¯  محمد بن رشيد : موارده في الحديث والآثار والفقه وموارد سحنون واحدة، أول من تأثر بمذهب الشافعي في القيروان.

. طبقة محمد بن سحنون : تضم كبار تلاميذ سحنون ورثوا الخلاف العالي وعرفوا بالنظر والجدل المذهبي، أبرزهم :
¯ محمد بن حضرم : من نظار الخلافيين بالقيروان له مناظرات مع أهل العراق بالقيروان، " ويقال : إنه كان معلم ابن سحنون النظر".   
¯ محمد بن ملول -262-  : من علماء الخلاف القرويين أصحاب سحنون، أخذ الفقه والحديث من شيوخ الشام، كان عالما بالمناظرة، " وناظر   محمد بن عبد الحكم بمصر"، وكان عارفا بفقهاء الأمصار، ألف، " فضائل الأوزاعي".
 ¯محمد بن سحنون -256- : ثالث ثلاثة من نظار المالكية الخلافيين إلى جانب القاضي إسماعيل بالعراق ومحمد بن عبد الحكم بمصر وهو بالمغرب. اجتمعت عنده كل الجهود السالفة في الخلاف لمالكية القيروان. أول من صنف في الرد على المذاهب الفقهية الأخرى منهم، صنف في الجدل والمناظرة، أخذ الخلاف عن أبيه  والحديث عن عدة علماء بالقيروان،  كبقي بن مخلد واعتمد في الحجة والنظر على عبد الله بن أبي حسان وابن حضرم، فتميز بسعة علمه بالفقه والآثر، واختلاف العلماء، فصار حكما لكبار العلماء في المذاهب المختلفة. وأخذ عن فطاحل المناظرين وصيارفة الجدليين فقد ناظر المعتزلة وصنف ورد على العراقيين وناظرهم.
وصنف في الرد على الحنفية والشافعية " تحريم المسكر" وكتاب الأشربة والرد على أهل العراق وعلى الشافعي، وصنف في الجدل رسالة في " أدب المتناظرين"، وله أحكام القرآن وتفسير الموطأ.

. طبقة عبد الله بن طالب:
¯ أبو العباس بن طالب : تلميذ محمد بن عبد الحكم، اعتمد عليه وأخذ منه الحجة والنظر، والآثر والمذهب الشافعي، تأثر به وبابن سحنون،   كان قاضيا عدلا ورعا في أحكامه، ومن المبرزين في العلم بخلاف الفقهاء والذب عن المذهب، ألف : الرد على المخالفين من الكوفيين وعلى     الشافعي،  وكتاب الأمالي والرد على من خالف مالكا، والرد على الشافعي. 
¯ يحي بن عمر -289- : من علماء الخلاف بالقيروان على نمط سحنون وهو من كبار أصحابه، أخذ عنه أهل القيروان والأندلس المدونة  والموطأ.. لسعة أخذه وضبطه، له مصنف الرد على الشافعي.
¯  جبلة بن حمود : من رواسخ علماء المالكية والعارفيين بالحنفية في القيروان، وهو من كبار تلاميذ سحنون وأثبت رواة المدونة، أثرت عنه  مواقف خلافية.

. طبقة أبي عثمان سعيد بن الحداد : تميزت بكثرة الخلافيين وعاصر ذلك دخول العبيديين وبداية الإضطهاد للمالكية.
¯ ابن الحداد -302- : أهم الخلافيين في هذه الطبقة، أخذ الخلاف على شيوخ إفريقية،  "صحب سحنونا وسمع منه "، انتحى سبيل الجدل  والمناظرة فاهتم بالرد على العبيديين ومحاجتهم. وقد اشتهر بالعلم بالخلاف والنظر والكلام والذب عن أهل السنة وكانت له مناظرات مع 
     المعتزلة والحنفية، وله في الخلاف العالي، " الرد على الشافعي".
¯ حماس بن مروان -303- : من علماء الخلاف بالقيروان، أخذ الخلاف عن سحنون وابن عبدوس ومحمد بن عبد الحكم
    " كان مبرزا في الفقه البارع والكلام الجيد عليه".
¯  موسى القطان -306- :  تلميذ بن سحنون، كان عالما ألمعيا، من الفقهاء العالمين بالخلاف على منهج المالكية.   

. طبقة أبي بكر بن اللباد : ضيف العبيديين على الدرس المالكي فقلت المصنفات في الخلاف العالي.  
 ¯ أبو بكر بن اللباد -333-: أخذ النظر والخلاف من ابن الحداد وابن طالب .. كان عالما بالمذاهب والرد عليها، وبأقوال المدنيين ورأيهم، وقد  اعتمد في الحديث على كتاب "الموطأ" ومصنفات المصريين. وكان قويا في المناظرة والحجة، له مناظرة مع ابن ابي المنهال وله كتاب "الرد علىالشافعي" .
¯  أبو الفضل العباس الممسي -333- : هو ثمرة ثلاثة مدارس مالكية : مدرسة محمد بن سحنون والمدرسة المصرية حيث أخذ من محمد بن عبد  الحكم، والمدرسة البغدادية حيث أخذ من ابن المنتاب، برز في الجدل الفقهي والمناظرة.
¯  عبد الله بن أحمد الأبياني -352- : من الفقهاء الجدليين النظار، أخذ عن يحيى بن عمر وحماس .. اشتهر في النظر بالمناظرة والمذاكرة.
¯ أبو العرب بن تميم -333-:  من الخلافيين أخذ عن يحيى بن عمر وابن طالب .. تميز بخطه مصنفات كثيرة، وله كتاب "فضائل مالك".

. طبقة أبي محمد بن أبي زيد القيرواني : تميزت بشدة الوطأة على المالكية من طرف العبيديين، لكنها خفت بانتقال ملك العبيديين إلى الفسطاط سنة -361- .
¯ خلف بن عمر ابن أخي هشام -371- : من أعلام الخلاف المبرزين، برز في الإستدلال فتناظر مع الأحناف، وكان عالما بدواوين المذهب،   له مناظرة مع دراس بن اسماعيل.  
¯ بن أبي زيد القيرواني -386- : " إمام المالكية في وقته، وقدوتهم وجامع مذهب مالك وشارح أقواله .." أخذ الخلاف عن ابن اللباد والممسي  .. بالقيروان والأبهري وأحمد بن حماد القاضي ... بالعراق، فقد كان على إطلاع واسع بمصنفات البغداديين الخلاقية وكان ذا باع طويل في       الذب عن المذهب وإثبات الحجة، ألف كتاب "الذب عن مذهب مالك".   
¯ عبد الله بن التبان : إمام في الخلاف، تلميذ ابن اللباد وطبقته، سلك طريق الجدل والمناظرة والذب عن المذهب.   

. طبقة أبي الحسن القابسي : تميزت بالإهتمام بما ألفه البراذعي وابن أبي زيد قبله حول المدونة.
¯  أبو الحسن القابسي -403- : أول من أدخل صحيح البخاري إلى القيروان، أخذ الفقه والخلاف عن الأبياني، الدباغ.. له كتاب "الممهد في  أحكام الديانة".
¯ أبو جعفر الداودي -402- : جمع بين الفقه والحديث والنظر، شرح الموطأ وشرح البخاري وقد اعتمد عليه ابن حجر في الفتح.

. طبقة أبي عمران الفاسي :
¯ أبو عمران الفاسي : شيخ هذه الطبقة في الخلاف، أخذ الفقه والحديث والأصول عن القابسي والأصيلي والهروي.. واعتمد في النظر   والأصول على الباقلاني، تميز في الخلاف بالمناظرة والمذاكرة فكانت له مواقف أسكن فيها الفتن.
¯ مروان بن علي البوني : أخذ عن أحمد الداودي وسلك نهجه، فشرح الموطأ في كتاب مشهور حسن.

. طبقة السيوري:
¯ أبو إسحاق التونسي : تلميذ أبي عمران الفاسي وأبي بكر بن عبد الرحمان، درس الكلام والأصول على الأذري، له مناظرات مع الأئمة. 
¯ أبو القاسم السيوري -460- :  تلميذ أبي عمران الفاسي وأبو بكر بن عبد الرحمان، كان مرجع القيروان في وقته وهو خاتمة أئمتهم   النظار.
¯ عبد الحق الصقلي -460- : من الخلافيين القرويين، أخذ عن أبي عمران وطبقته والقاضي عبد الوهاب والجويني. 

. طبقة عبد الحميد بن الصائغ : تميزت بظهور جائحة الأعراب  وإفسادهم لمعالم العلم بافريقية.
¯ علي بن محمد اللخمي -478- : شيخ المازري، برز في تخريج الخلاف في المذهب وآستقراء الأقوال، له كتاب "التبصرة" من أوائل المصادر المالكية.
¯ عبد الحميد بن الصائغ -486- : من كبار الخلافيين القرويين، شيخ المارزي الذي أعجب به واعتمد عليه، كان كثير التعليل للخلاف.

. طبقة الإمام المازري: تميز علماؤها بالتطلع إلى رتبة الإجتهاد.
¯ أبو الطاهر بن بشير التنوخي: العالم الجليل تفقه بأبي الحسن اللخمي وأخذ عن السيوري، ألف كتاب "التنبيه" 
¯ محمد بن علي المازري -536- : خاتمة العلماء المحققين المجتهدين في النظار.. أخذ عن اللخمي وابن الصائغ.. ألف "شرح التلقين"،   و"إيضاح المحصول من برهان الأصول"، وشرحه للكتابين، دليل على تبحره وبلوغ درجة الاجتهاد.

. طبقة مابعد المازري:
¯ عبد الواحد بن التين : العلامة المحدث، المتفنن المتبحر، له شرح البخاري " المخبر الفصيح في شرح البخاري الصحيح". اعتمد عليه ابن  حجر في الفتح.
¯ القاضي عبد الحق المهدوي -631- : من أحفاد المازري، قاضي غرناطة واشبيلية ومراكش، له كتاب رد فيه على ابن حزم.

0 تعليقات:

إرسال تعليق